بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
تعج النقاشات و الحوارات في مختلف المنتديات بموضوعات العلم، المشكلات الاجتماعية، المفارقات السياسية، الإشاعات، المواعظ و الإرشاد، التيارات و الاتجاهات الفكرية، الفلسفة، إضافة للقيم و الثوابت و الظواهر و المظاهر الاجتماعية.. لكنها تعاني شـُـحّـا ً صارخا في مادة الآدب و حواراته الشيقة؛ فقلما نجد موضوعا نقاشيا ضمن أفق أدبية أو ذو صبغة و هدف أدبيْـيَـن رغم أن الأدب مادة ممتعة جدا و شيقة و أخاذة!
في واقع الحياة و فيما مضى إبان النهضة الثقافية في العالم العربي و في لبنان و مصر تحديدا، كانت الصالونات الأدبية من أهم سمات المجتمع الحضارية و الفكرية، أدباء و شعراء و نقاد و مثقفون و مفكرون يجتمعون للتحاور و المجادلة اللطيفة و المساجلة الأدبية.. لا يشغلهم عن الأدب شاغل رغم أن السياسة لم تفارق مجالسهم كذلك لطبيعة المرحلة في المنطقة العربية منذ عهد الاستعمار مرورا بانفجار القضية الفلسطينية و حتى عهود التجبر السلطوي. و لعل صالون الأديبة "مي زيادة" من أشهرها و أجلها قدرا و مكانة و أجملها.
يا سادة، الأدبُ هو أرقى و أجمل طرائق التعبير الإنساني عن المكنونات الروحية و الخواطر النفسية و ما يجول في القلب و يختلج في الصدر.. الأدب مجال ساحر للخيال و بحرٌ مهول للخوض في عبابه و الفوز بصدفاته و أسراره الدفينة.. غيمة بيضاء باسقة لا ترتاح في مكان و لا تظل شخصا واحدا لكنها تتروض لفارسها يسوقها أنى شاء و كيفما أراد و قد تمطر في النهاية أثرا خالدا يرفع الروح و يسمو بالنفس و يهذب العقل و يطري التفكر!
فهل يرفض أحدنا أن يجالس تولستوي لنسأله عن "حربه و سلامه"؟ أو ربما مرافقة دوستويفسكي ليخبرنا عن "جريمته و عقابه"!
هل نبخل على أنفسنا أن نستلذ التفكير بعقل "هنري تروايا" لنعلم سر خوفه من معانقة وطنه؟ .. أو بعقل مواطنه "أندريه مالرو" ليقصّ علينا "قدر الإنسان"!
ما يمنعنا أن "نغترب" مع ألبير كامو أو نبحر في "بحار همنغواي".. أن نحيا "خريف" أندريه موروا أو "نحب في زمن الكوليرا" مع ماركيز..أن نتغزل ك "نيرودا" أو نصعد الجبل مع "لوركا" و الغجر.. نتألم مع "فيرتر" على طريق غوته..
أن نحتار كصادق هدايت او تيسير السبول دون أن ننتحر!.. و نعد الأرقام بأدبية خرافية فنجني كما "خماسية منيف"، "ثلاثية محفوظ أو مستغانمي"، "سداسية" إميل حبيبي.. نتزلزل ب"زلزال" الطاهر وطار و نحيي "ليلة القدر" مع الطاهر بن جلون!
نهرب من زقاق القاهرة خوفا من عسس" الغيطاني" في شخص زكريا و " الزيني بركات".. ندق جدران الخزان بدلا من كنفاني و "رجاله في الشمس".. أو ننتشل "رجلا شجاعا من البحر" كي يغضب حنا مينا!! .. نستمع ل " حديث أبي هريرة" برفقة المسعدي..
نتقمص أدوار فارق جويدة، أحمد مطر، حبيب الصائغ، اللاذقاني، درويش، بوشكين و آخرين كثر كشعراء أفذاذ فنعيشهم و نكونهم حتى نشكلهم كما نريد!
فلنتحاور و لنتحدث بهدوء وأناقة و أدبية حول أمر ما، رواية ما، قصة ما، ملحمة ما، قصيدة ما، ديوان ما، شاعر ما، كاتب ما، روائي ما، أديب ما..
فلنتحدث حول موضوع أدبي امتلك جوارحنا و غذى أرواحنا و استلب ألبابنا ذات قراءة.
فلنتحدث في الأدب فما أروعه و أحلاه! هل يمكننا ذلك يا معشر الأدباء؟